حقوق الإنسان بين المياه والطاقة.. تقرير أممي يحذر من فجوات العدالة البيئية
حقوق الإنسان بين المياه والطاقة.. تقرير أممي يحذر من فجوات العدالة البيئية
عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دورته الـ60 في جنيف، والتي تتواصل حتى 8 أكتوبر المقبل، وفي هذا السياق قدم المقرر الخاص المعني بحق الإنسان في مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي، بيدرو أروخو – أغودو، تقريراً نوعياً يركز على العلاقة بين قطاعي المياه والطاقة من منظور حقوق الإنسان، محذراً من مخاطر تفاقم التفاوتات الاجتماعية والبيئية إذا لم تُطبق السياسات بشكل منصف ومستدام.
وبحسب التقرير الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، يندرج هذا العمل ضمن الولاية الممنوحة للمقرر الخاص من قبل مجلس حقوق الإنسان لرصد ودراسة أبعاد الحق في المياه والصرف الصحي، مع التركيز على الروابط المتزايدة مع قطاع الطاقة.
ويغطي التقرير الفترة الأخيرة التي شهدت أزمات متداخلة، من تغير المناخ إلى ارتفاع أسعار الوقود، وما ترتب عليها من ضغوط غير مسبوقة على المجتمعات الهشة. ويشدد المقرر الخاص على أن السياسات المتعلقة بالطاقة والمياه يجب أن تُبنى على أساس حقوق الإنسان.
المياه والطاقة.. ترابط وثيق
وأوضح التقرير أن قطاعي المياه والطاقة مترابطان بشكل وثيق؛ فإنتاج الطاقة يعتمد على المياه في عمليات التبريد والتوليد والنقل، في حين تتطلب إدارة المياه بدورها إمدادات مستمرة من الطاقة لضخها ومعالجتها وتوزيعها.
وهذا الترابط يعني أن أي خلل أو قصور في أحد القطاعين ينعكس مباشرة على الآخر، وعلى الحقوق الأساسية المرتبطة بهما.
وأشار المقرر الخاص إلى أن النمو الصناعي، والتمدد الحضري، إلى جانب أزمة المناخ، تضع ضغوطاً هائلة على الموارد المائية، في حين تؤدي السياسات غير المنصفة في توزيع الطاقة إلى حرمان شرائح واسعة من السكان من خدمات أساسية، محذراً من أن هذه الديناميات قد تؤدي إلى تفاقم أنماط التهميش والإقصاء، ما لم تتبنّ الدول سياسات قائمة على مبادئ العدالة والمساواة.
حقوق الفئات الهشة
وأكد التقرير أن النساء والفتيات والأقليات والفقراء هم الأكثر تضررًا من الفجوات في خدمات المياه والطاقة.
ففي العديد من الدول النامية، ما زالت النساء يتحملن عبء جلب المياه لمسافات طويلة في ظل غياب البنية التحتية، وهو ما يعرضهن لمخاطر صحية وأمنية.
وأشار إلى أن انقطاع الكهرباء أو محدودية الوصول إليها يحرم الأطفال من التعليم في بيئة مناسبة، ويضعف قدرة المراكز الصحية على تقديم خدماتها.
وشدد المقرر الخاص على أن ضمان حقوق الفئات المهمشة في الوصول المتكافئ إلى المياه والطاقة ليس خيارًا سياسيًا، بل التزام قانوني على الدول بموجب المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، مؤكداً أن الفشل في ذلك يعمق أوجه اللامساواة ويزيد هشاشة المجتمعات أمام الكوارث الطبيعية والأزمات الاقتصادية.
تغير المناخ والتأثيرات المتداخلة
وأفرد التقرير مساحة واسعة لتأثيرات تغير المناخ، موضحًا أن موجات الجفاف والفيضانات والأعاصير المتكررة تهدد البنية التحتية للمياه والطاقة على حد سواء، لافتاً إلى أن هذه التحديات تفرض على الحكومات تبني سياسات استباقية تأخذ في الاعتبار الترابط بين القطاعين، بما يضمن استدامة الموارد وحماية حقوق الأجيال المقبلة.
ولفت إلى أن المجتمعات الفقيرة والريفية غالبًا ما تتحمل العبء الأكبر من آثار التغير المناخي، إذ تفتقر إلى القدرة على التكيف أو إعادة بناء البنية التحتية المتضررة، ما يزيد من اتساع الفجوة بينها وبين المناطق الغنية أو الحضرية.
وأشاد التقرير بالفرص التي تتيحها الطاقة المتجددة لدعم الحق في المياه، من خلال استخدام الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح في ضخ المياه وتحلية مياه البحر، موضحاً أن هذه التقنيات يمكن أن تقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري وتحد من الانبعاثات الكربونية، لكنها تحتاج إلى سياسات تمويلية عادلة تضمن استفادة الجميع، لا أن تتحول إلى امتياز محصور في يد فئات محدودة.
وفي الوقت نفسه، حذر المقرر الخاص من أن بعض مشروعات الطاقة الكبرى، مثل بناء السدود الكهرومائية، قد تؤدي إلى تهجير المجتمعات المحلية والإضرار بالنظم البيئية، إذا لم تنفذ وفق معايير حقوقية صارمة، وأن أي مشروع تنموي يجب أن يوازن بين احتياجات الطاقة وحماية الحق في المياه وحقوق السكان الأصليين.
التزامات الدول
وشدد التقرير على أن الدول تتحمل التزامات واضحة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان لضمان تمتع الأفراد بحقهم في المياه والطاقة. وهذه الالتزامات تشمل وضع سياسات متكاملة، وتخصيص موارد كافية، وضمان عدم التمييز في الوصول إلى الخدمات، كما دعا إلى إشراك المجتمعات المحلية في صنع القرار، باعتبارها الأقدر على تحديد احتياجاتها وتقديم حلول عملية ومستدامة.
وأضاف المقرر الخاص أن التزامات الدول لا تقتصر على توفير الخدمات داخل حدودها، بل تمتد إلى التعاون الدولي في إدارة الموارد المشتركة وتبادل التكنولوجيا والدعم المالي، بما يضمن تحقيق العدالة على المستوى العالمي.
واختتم بيدرو أروخو – أغودو تقريره بجملة من التوصيات، أبرزها اعتماد نهج حقوقي في تصميم السياسات المتعلقة بالمياه والطاقة، بحيث تضع حقوق الإنسان في صميم التخطيط والتنفيذ، وتعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة الموارد، بما يسمح برصد الانتهاكات ومعالجتها، ودعم التحول إلى الطاقة المتجددة بطرق عادلة وشاملة، تضمن استفادة الفئات المهمشة والفقيرة، وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين البيئيين الذين يواجهون تهديدات متزايدة بسبب دفاعهم عن الحق في المياه والبيئة.










